مناقشة رسالة ماجستير في اللغة العربية

قامت الباحثة نادية زياد محمد سلمان، الطالبة في كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية، يوم الخميس الموافق 28/5/2015 بمناقشة اطروحة الماجستير بعنوان "تجليات عشتار في الشعر الجاهلي".

تَكْشِفُ هذه الدراسة عن  تجلياتِ الأمِّ الكبرى (عشتار) في الشّعرِ الجاهلي، وطريقةِ تشكّلِها في مخيالِ الشّاعرِ برموزها المختلفةِ، التي داخلتْ نصوصَه الشعريّةِ ومازجتْهَا  في ثنائيتِها اللونيّةِ البارزةِ، البياضِ والسّواد.

تسترشدُ الدّراسةُ بمنجزاتِ العلومِ الإنسانيّة، ونتاجِ الدراساتِ الأثاريّةِ، وكُشوفِهِا، المثبتةِ في بطونِ الكتبِ والموسوعاتِ التي اعتنت بالميثولوجيا، لتفسيرِ ماهيةِ عشتار في الذّهنيّةِ الشّعبيةِ، ورصدِها في نماذجَ من أشعارِ الجاهليين، فالشّعرُ القديمُ، ينطوي على كثيرٍ من الرّموزِ الأسطوريّةِ، التي تحملُ بدورِها أبعادَ التّجربةِ الشعريّة للشاعر الجاهلي ّودلالاتها الرّمزيّة الموحيّة.

تعتمدُ الدّراسةُ على المنهجِ الأسطوري، بأدواتِه التحليليةِ في تفسيرِ الرّموزِ العشتاريّة،  وإشاراتِها التي تجلتْ في النّصوصِ الشّعريةِ الجاهليّة ، من خلالِ إعادةِ استنطاقِ النصوص وقراءتِها في ضوءِ المنهجِ الجديد، على اعتبارِ أنّ "النّصَ مفتوحٌ  ولا يُحَدُّ بحد" . ولذا تُقدمُ بأدواتِها التحليليّةِ تفسيرًا للإشاراتِ الأسطوريةِ، ورموزهِا، في النّصِ الشّعري، فإنّ دراسةَ الشعرِ الجاهلي بِمَعْزَلٍ عن روافِدِه الدينيّة، ومادتِه الفكريّة، ورموزِه الأسطوريّة تُحِيْلُه إلى وثائقَ تاريخيّةٍ مُؤَرشفة، بعيدةً كلَّ البعدِ عن نتاجِ العصرِ وروحِه إبداعِه. 

تتَجلى أهميةُ الدّراسةِ في محاورَ عدّةٍ، منها:

1- إعادةُ قراءةِ نتاجِ الشّاعرِ الجاهليّ، قراءةً متأنيّةً، في ضوءِ المنهجِ الأسطوري، وملاحظةُ الرّموزِ الميثولوجيةِ الأموميّةِ  في نصوصِه الشعرية، وتحليلِها، من خلالِ الكشفِ عن صلةِ الشّاعرِ الجاهلي بالرموزِ الأموميّة، التي أسقَطَهَا على مظاهرِ الطّبيعةِ المختلفة، وطريقةِ تفسيرِه لها بناءً على فكرِه ومعتقدِه الدّيني.

2- تفسيرُ الطقوسِ الشّعائريةِ الجاهليّةِ المختلفةِ، التي أقامَها الكهنةُ والكاهناتُ في زوايا المعابدِ، وصلتِها بالربّةِ والأمِ الكبرى عشتار؛ بصفتِها أعظمِ الإلهات وأسماهُنّ منزلة.

3- الكشفُ عن رموزِ الأمِّ الكبرى وتجلياتِها في الشعرِ الجاهلي، فالشعرُ الجاهليُ وثيقةٌ تاريخيةٌ تعبرُ عن روح ِالعصر، ومعتقداتِه، ودياناتِه، وقد برزتْ الرموزُ الأموميّةُ بكثرةٍ بنوعيها الرموزِ الأرضيّةِ ممثلة في: الغزالةِ والبيضةِ والدّرة، والحمامةِ والشّجرة. والرموزِ السّماويّةِ مُمَثلةً بكوكبِ الزهرة، والشّمسِ وغيرِها من الرموزِ المستمدةِ من أصولٍ دينيّةٍ ترسختْ في مخيالِه، وحياتِه، وَرَفدتْ عقلَه وفكرَه.

4- تُبْرزُ الدراسةُ ثنائيةَ عشتار: بوجهِها الأبيض؛ حين تكونُ إلهةَ الخصبِ والنّماء، ليعمَ الخيرُ الكونَ والأرضَ والإنسان . ووجِهِها الأسودِ؛ بصفتِها إلهةَ الحربِ والدّمارِ، تُشْعلُ نارَ الحرب، وتثيرُ الخوفَ، وقد بدّلتْ أثوابَها، وغيّرتْ ألوانَها وأحوالَها، فهي الأمُّ الغولةُ تُكشرُ عن أنيابِها وتكشِفُ عن وجهِها الأسود، الذي تخوضُ به في دمِّ أعدائِها.

       تُجيبُ الدّراسةُ عن تساؤلاتٍ تُشكّلُ منطلقَها ومسارَها، وتتلخصُ هذه التّساؤلاتُ في محاورَ عدّةٍ، أذكُرُ منها:

1. ما الطّقوسُ الدّينيّةُ التي عرفَها عربُ الجاهليّة، وما علاقةُ هذه  الطّقوسِ والتّراتيلِ بعشتار وتجلياتِها في نصوصِهم؟.

2. كيف تجلّتْ عشتارُ في الشّعرِ الجاهلي بثنائيتِها اللونيّةِ البياضِ والسّواد؟.

3. ماهي الرموزُ العشتاريّةُ الدينيّةُ التي تماهتْ في فكرِ الشاعرِ الجاهلي ومعتقدِه، فكوّنتْ مادتَه الشّعريّةِ، وصبغتْ صورَه الفنيّة.

     وللإجابةِ عن تساؤلاتِ البحثِ السابقة، اقتضتْ طبيعةُ الدراسةِ أن تكونَ في: مقدمةٍ، وأربعةِ فصولٍ، وخاتمةٍ حَسْبَ الآتي:

الفصلُ الأولُ بعنوان: "الأمُّ الكبرى طقوسُ عبادتِها وقرابينِها عندَ الأمم". يتجَلى في هذا الفصلِ ثلاثةُ مباحثٍ، عُنِيَ الأولُ بعرضٍ سريعٍ لمفهومِ الأسطورة، وتعريفِها، ومنشئِها، عندَ العربِ، وارتباطِها بالكونِ، والدينِ، والطقوس.

أمّا المبحثُ الثاني اعتنى بطقوسِ عبادتِها، وقرابينِها، عند كثيرٍ من الأممِ، وقد قُسّمَ إلى محورين ِالأول: بحثَ في ماهيتِها عندَ اليونانِ والرومان. أما الثاني: فتناولَ تصويرَ دُماهَا وتماثيلِها المنتشرةِ في مراكزِ العبادةِ الأموميّة، والملامح ِالمُمَيزَةِ لها، ودلالاتِها الإخصابيّة، كما تحدّثَ عن قرابينِها بأنواعِها: البشريّةِ والحيوانيّةِ والنباتيّةِ التي ارتبط بها وبعبادتِها.

المبحثُ الثالث: عرضَ لتأصيلِ أساطيرِ عشتار في الأدبِ الإنساني، من مِثلِ: أسطورةِ هبوطِ (عشتار/ إنانا) إلى العالمِ الأسفل، التي تُمثلُ دورة َالحياةِ النباتيّةِ في الطبيعة.

الفصلُ الثاني وُسِمَ بعنوانِ: "تجلياتِ عشتار في الفكرِ الميثولوجي الجاهلي"، حيثُ انقسمَ الفصلُ إلى ثلاثةِ مباحثٍ رئيسة، وقد عُنيَ المبحثُ الأولُ بالحديثِ عن الرموزِ الأرضيّةِ والسّماويّةِ التي تجلّت فيها عشتار، مثل: عشتارُ الأرضِ التي تمثلُ فكرةَ الأمومة؛ باعتبارِها رَحْمًا كبيرًا يحملُ الجميع. وعشتارُ المرأةِ المُخَصَبةِ الولودِ التي ارتفعَ قدْرُها وَسَمَتْ في زمنِها ذاك، وعشتارُ السماويّةُ التي تمثلتْ في كوكبِ الزّهرةِ، ثُمّ البحثُ في أسطورةِ ارتقاءِ الزّهرةِ إلى السّماءِ في روايتِها الإسلاميّة.

المبحثُ الثاني: عُنيَ بعشتارِ السّماويّةِ الزهرة ورمزِها الأرضي صنم العُزى، وكيف كانا رمزيين لإلهةِ واحدة، هي الأمُ الكبرى خالقةُ العوالمِ ومكثرة الخلق والنسل في نظرِ عبادهِا.

المبحثُ الثالثُ: يعرضُ لعبادةِ الأشجارِ، وتقديسِها، وصلتِها بالميثولوجيا الأموميّةِ العالميّة، من خلالِ أسطورةِ "مورا" أو شجرةِ المرّ، ويكشفُ المبحثُ عن عادةِ عبادةِ الأشجارِ عندَ العربِ باعتبارهِا امتدادًا للعبادةِ الأموميّة، مُمَثلة بعبادةِ "نخلةِ نجران"، و"شجرةِ ذاتِ أنواط"، و"سُمراتِ العُزى الثلاث"، ثُمّ الحديث عن رحلةِ الظّعنِ في الجاهليّة، واتصالِها بالنخلِ والمرأةِ باعتبارِهِما رمزيين مقدسين في العبادةِ الأموميّة.

الفصلُ الثالث: "عشتارُ بوجهيها الأبيضِ والأسودِ"، وقد تجلّى في مبحثين رئيسين، يتضمنُ المبحثُ الأولُ: الصفاتِ الماديّةَ والمعنويةَ لعشتارِ البيضاءِ مُمثلةً في المرأةِ السمينةِ المخصبة، والبياضَ وقَداستَه باعتبارِه من الألوانِ المقدسةِ للزهرة.

المبحثُ الثاني: وقد عُنيَ بتوضيحِ رمزِ عشتارِ المقدسِ "الخمرِ" باعتبارِه يمثلُ دمَّ الإله، وارتباطِ عاداتِ شربِه بالحربِ.  ثُمّ عرضَ للمرأةِ الكاهنةِ وصلتِها بالحرب. ووضّح َطريقةَ اتصالِ الناقةِ بصفتِها رمزًا أصيلًا من رموزِ "عشتار" بالحربِ التي تشتعلُ وتلقحُ مرّةً بعد مرّةٍ من خلالِ صفتِها "العوان".

الفصلُ الأخيرُ وقد وُسِمَ بعنوانِ: "تجلياتِ الرموزِ الدينيّةِ العشتاريّةِ في الشعرِ الجاهلي". وقد انقسمَ الفصلُ إلى سبعةِ محاورَ هي: عشتارُ الدميّة، وعشتارُ الدرّة،  البيضةُ، والظبيّةُ، والنعجة، والحمامُ، وأخيرا عشتارُ الشجرة. وقد تناولَ الشّاعرُ الجاهليُ الرموزَ الدينيّةَ لعشتارِ الربّةِ الكبرى ووظَّفَها في شعرِه، لتكشفَ عن موروثِه وفكرِه الأسطوري الذي تضربُ جُذُوْرُه في أعماقِ تاريخِ الحضارةِ الإنسانية، والتي مثلتَها العبادةُ الأموميّة.

أمّا أهمُّ النتائجِ التي توصلتُ إليها، فأُوجِزُها بالآتي:

*ظهرتْ العلاقةُ القويّةُ بينَ الأسطورةِ والدين، لأنّها قد نشأتْ وترعرتْ في حجرِه، واستمدت طقوسَها منه، فـالرمزُ الأسطوريُ يطمحُ دائمًا إلى تأكيدِ ما هو قدسي، ولذلك ينبغي ألا نفصلَ بينهما.

*عُبدتْ الأمُّ الكبرى في جزيرةِ العربِ بصفتِها الزهرة السّماويّة، وعلى الأرضِ قُدّمت القرابينُ للعزى الأرضيّة، حيث بدتْ الزهرةُ والعزى صورتين للربّةِ الكبرى ربّة الخصب والنماء.

*لعشتارِ طقوسٌ تتراوحُ بين المسموحِ والمحظور، والخمرُ طقسٌ من طقوسِ عبادتِها فهي إمّا أن تكون إيذانًا للحرب فَتُحرَّم وتُحظر، وإمّا شرابًا مقدسًا تشربُ لتحلَّ بشاربِه روحَ الإلهةِ وقواها فتمتزجُ ذاتُه بذاتِها الإلهيّة ليزدادَ بأسًا وشدةً في حربِه وسجالِه.

وتكونت لجنة المناقشة من أ.د. احسان الديك مشرفاً ورئيساً، و د. طه طه ممتحناً خارجياً، و د. نادر قاسم ممتحناً داخلياً، وفي ختام المناقشة أوصت اللجنة بنجاح الطالبة ومنحها درجة الماجستير بعد اجراء التعديلات.


عدد القراءات: 91