قام الباحث محمود سليم هاشم شوبكي، الطالب في كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية، يوم الثلاثاء الموافق 3/5/2016 بمناقشة اطروحة الماجستير بعنوان "سياسات حركة النهضة واثرها على التحول الديمقراطي في تونس 2010-2015".

عمدت الدراسة إلى مناقشة سياسات حركة النهضة وأثرها على التحول الديمقراطي في تونس، خلال الفترة الزمنية الممتدة من العام 2010 وحتى العام 2015؛ لما شهدته هذه الفترة من أحداث هامة تركت بصمتها على مواقف حركة النهضة وسياساتها وعلى الساحة التونسية بشكل عام، ويأتي في مقدمتها الثورة التونسية التي انطلقت في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، التي تمكَّنت من إسقاط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، ومن ثم تصدُّر حركة النهضة نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، والتي بموجبها استلمت مع شركائها في ائتلاف الترويكا مقاليد الحكم في تونس ضمن المرحلة الانتقالية وتحدياتها.

واستندت الدراسة في معالجتها لموضوع الدراسة إلى مجموعة من الدراسات السابقة والأدبيات ذات الصلة، ومعطيات الحالة التونسية بعد الثورة، وسلوك حركة النهضة أثنائها وبعدها، وصولاً إلى سياسات حركة النهضة وأثرها على التحول الديمقراطي في تونس، للإجابة عن السؤال الرئيسي الذي يتعلق بالسياسات التي شرعت بها حركة النهضة ما بعد الثورة التونسية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، وتأثيرها على عملية التحول الديمقراطي حتى عام 2015، ولاختبار فرضية الدراسة القائمة على أن حركة النهضة التونسية لعبت دوراً داعماً لعملية التحول الديمقراطي التونسي ما بعد ثورة 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 في تونس.

اعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي لمناسبته أغراض البحث للوقوف على دور حركة النهضة ودراسته ووصفه وتحليله، كما استخدم المنهج التاريخي لتتبع نشأة حركة النهضة والأسس الفكرية التي قامت عليها وانعكاساتها على العملية الديمقراطية، بالإضافة إلى منهج النظم لمعرفة التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي واجهت حركة النهضة أثناء تصدُّرها المشهد السياسي في تونس، وطريقة استجابتها لها.

قسَّم الباحث الدراسة إلى خمسة فصول؛ تناول الفصل الأول مقدمة الدراسة ومشكلتها وأهميتها، مع ذكر أبرز أهداف الدراسة، والفرضية التي قامت عليها، والمناهج المستخدمة بها للإحاطة بموضوع الدراسة، مما يُشكِّل مدخلاً لتوضيح محاور الدراسة بأكملها.

وفي الفصل الثاني استعرض الباحث نشأة حركة النهضة وخطابها الفكري والسياسي، مُوضحاً البناء التنظيمي والهيكلي لها، ومُعرِّفاً بوسائلها وأهدافها، وعوامل صعودها ومبررات نشأتها، وتم تقسيم مراحل نشأتها إلى أربع مراحل زمنية مع توضيح ملامح كل مرحلة، ومن ثم تم إلقاء الضوء على خطابها الفكري والسياسي، وموقفها من الديمقراطية، والعلمانية، والتعددية، والعنف، ومكانة المرأة ومشاركتها السياسية.

أمَّا في الفصل الثالث أوضح الباحث ماهية التحوُّل الديمقراطي وارتباطه وصلته بمفاهيم الانتقال الديمقراطي، والتحوُّل الليبرالي، والإصلاح السياسي، وتناول الاتجاهات النظرية المُفسِّرة لعملية التحوُّل الديمقراطي، وأورد أسباب وعوامل التحوُّل الديمقراطي، وأساليبه، ومراحله، وتحدياته، وسماته، ومؤشراته.

وناقش الباحث في الفصل الرابع سياسات حركة النهضة وأثرها على التحوُّل الديمقراطي في تونس، مُبتدءاً بتوضيح أبرز أسباب وعوامل اندلاع الثورة التونسية نهاية عام 2010، ودور حركة النهضة بها، وتصدُّرها للمشهد السياسي في تونس واستلامها للحكم، حيث تم الوقوف على مواقف حركة النهضة من المسائل الأساسية في صياغة الدستور، ودورها في صياغة مجموعة من القوانين الأساسية، ومدى دعمها لمفاهيم التعددية، والمشاركة السياسية، والتداول على السلطة، والتوافق الوطني.

حيث كرَّست حركة النهضة الشراكة السياسية بإنشائها ائتلاف الترويكا مع أحزاب علمانية كأول ائتلاف تشاركي حاكم في تاريخ تونس، كما أسهمت في إنجاح الحوار الوطني التونسي في ضوء ما اتسمت به من مرونة سياسية بتنازلها عن الحكم والقبول بشروط الحوار، وبإسقاطها قانون العزل السياسي وما في ذلك من تسامح فكري وسياسي، وتقديمها أيضاً مجموعة من التنازلات أثناء صياغة الدستور فيما يخص شكل النظام السياسي ومكانة المرأة وحقوقها ومدنية الدولة، كذلك نجاحها مع الكتل البرلمانية الأُخرى بإرساء منظومة قانونية ضامنة وداعمة للتحول الديمقراطي.

وفي الفصل الخامس أبرز الباحث التحديات التي واجهت حركة النهضة عقب استلامها الحكم ما بعد الثورة التونسية ما بين تحديات داخلية وأُخرى خارجية، تمثَّلت التحديات الداخلية بتحديات ذاتية وموضوعية، توزَّعت بين خلافاتها الداخلية، وانتقالها من العمل السياسي السري إلى العلني، والفصل بين الديني والسياسي، وتحديات سياسية ذات علاقة بإدارتها للحكم، ومواجهتها لقوى الثورة المضادة، إلى جانب التحديات الاقتصادية والتنموية والأمنية، وتحديات خارجية تتصل بعلاقتها مع الدول العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وتحديات فرضتها دول الجوار الإقليمي، كالوضع الأمني والسياسي في مصر وليبيا والجزائر.

وفي نهاية الدراسة خلص الباحث إلى مجموعة من الاستنتاجات، التي كان من أبرزها؛ أن حركة النهضة التونسية استطاعت المساهمة في تكريس وإرساء مفاهيم التعددية والشراكة السياسية كإحدى مؤشرات التحول الديمقراطي، كما أسهمت في إنجاح الحوار الوطني التونسي، وغلَّبت الشرعية التوافقية على الشرعية الانتخابية، وأبدت تسامحاً فكرياً وسياسياً مع الأطراف السياسية الأُخرى، واتسم سلوكها بالمرونة في العديد من القضايا السياسية عبر مختلف المراحل، ولعبت دوراً في سن مجموعة من القوانين التي ساهمت في التحول الديمقراطي، كما واجهت مجموعة من التحديات التي تراوحت بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وعلى ضوء تلك الاستنتاجات قدَّم الباحث مجموعة من التوصيات أهمها؛ ضرورة تجديد حركة النهضة بنائها التنظيمي والهيكلي، وإشراك الفئات الشبابية في هيئاتها القيادية، ومراعاة توحيد مواقف قياداتها، وصياغة سياسة تنظيمية موَّحدة، واستمرارية مساهمتها في التحول الديمقراطي بالتعاون مع الشركاء السياسيين والمحليين التونسيين لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي ما زالت تواجه تونس.

وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور صقر الجبالي مشرفاً ورئيساً، و الدكتور عبد الرحمن حج ابراهيم ممتحناً خارجياً من جامعة بيرزيت، و الدكتور عثمان عثمان ممتحناً داخلياً، وفي ختام المناقشة أوصت اللجنة بنجاح الطالب ومنحه درجة الماجستير بعد اجراء التعديلات.


عدد القراءات: 108