قام الباحث رامي نمر راضي حشاش، الطالب في كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية، يوم الثلاثاء الموافق 15/9/2015 بمناقشة اطروحة الماجستير بعنوان "التدخل الانساني واشكاليته مع سيادة الدول".

لقد تم بيان ظاهرة التدخل الدولي الإنساني التي أصبحت مثاراً للجدل السياسي والقانوني، خصوصاً مع زيادة الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، وانتشار الصراعات الداخلية التي تتفاقم فيها انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، لتشمل ارتكاب جرائم دولية ضد الإنسانية، الأمر الذي فرض على المجتمع الدولي التدخل لصون هذه الحقوق وحمايتها، من خلال الواجب المفروض على هيئة الأمم المتحدة في هذا المجال، إذ أن من أهم أهدافها هو حماية حقوق الإنسان، والحفاظ على السلم والأمن الدولي، الذي يعد من أهم واجبات مجلس الأمن.

من خلال هذا العرض لموضوع التدخل لاعتبارات إنسانية،  نجد أنه موجود منذ القدم، والتي تقوم فكرته الأساسية على التدخل في شؤون دولة آخرى من قبل دولة أو مجموعة من الدول باستخدام القوة العسكرية، من أجل حماية حقوق الإنسان من الانتهاكات التي تتعرض لها، وفي حالة وعدم وجود نظام قانوني ينظم هذا الموضوع،  خاصة انه يتم خارج نطاق الامم المتحدة، فإن ذلك أثار خلافا فقهيا واسعا كما رأينا حول مدى مشروعية هذا التدخل بين الرأي المعارض والرأي المؤيد، إلا أننا نستطيع القول إن التدخل لاعتبارات إنسانية أصبح يأخذ وضعه في الوقت الحالي،  ونجد من يؤيد هذه الفكرة ويدعمها،  فالأمور تغيرت في الوقت الحالي. ويشهد العالم حالات كثيرة من التدخل لاعتبارات إنسانية،  وقد تحمل هذه التدخلات في طياتها مصالح سياسية واقتصادية  تسعى الدول التي تقوم بالتدخل لتحقيقها على حساب الدول المتدخل بها.

ويزداد الوضع صعوبة كلما تم تنفيذ هذا التدخل بالطرق العسكرية،  فضلا عن انتهاكه لمبدأ عدم التدخل؛ لأن هذا التدخل يمثل إخلالا بمبدأ عدم جواز اللجوء للقوة في العلاقات الدولية، فالمادة 2/4 من ميثاق الامم المتحدة  أصبحت بدورها تشكل واحدا من المبادئ الأساسية التي تحكم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن ذلك لم يمنع العديد من الدول من الاحتجاج بالدوافع الإنسانية لتبرير تدخلها لدى الدول من الاحتجاج بالدوافع الإنسانية.

ولم يقتصر التدخل الدولي الإنساني على الدول،  بل شاركت أيضا المنظمات الدولية، وخاصة الامم المتحدة  لضمان احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية،  بيد أن الفترة التي أعقبت الحرب الباردة  قد شهد قيام مجلس الأمن بتشكيل قوات لحفظ السلم،  وفي الإشراف على توزيع مواد الإغاثة  وحماية السكان المدنيين... كل ذلك مع السماح  لهذه القوات باستخدام القوة المسلحة إذا لزم الأمر مستندا في ذلك لأحكام الفصل السابع من الميثاق.

وهنا تستغل الدول الكبرى التدخل الإنساني بشكل يحقق مصالحها السياسية والاقتصادية، فقد تقع انتهاكات حقوق الإنسان وترتكب جرائم دولية تسوغ تحريك المسؤولية الجنائية الدولية ضدها،  لكن مصلحة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تقتضي عدم إثارة القضية لتورط حلفائها في هذه الانتهاكات،  وتبرز هنا الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني،  ومع ذلك لم يصدر إدانة دولية لها، أو كتدخل عسكري بإذن من مجلس الأمن أو بدون إذن،  مثلما ظهر في العراق وغيرها،  وهذا يعني أن الدول الكبرى تستخدم التدخل الانساني وفقا لمصالحها الوطنية ومصالح حلفائها، مما ينتج عن ذلك إساءة  لقضية حقوق الإنسان،  وتشجيع الأقليات العرقية لمعارضة نظام حكم ما، وهو ما يهدد الدول الضعيفة بالتفتت والانهيار.

وبما أن مفهوم السيادة يحقق الاستقرار الدولي، واحترام حقوق الإنسان يحقق السلم والأمن الدوليين،  فإن مفهوم السيادة بحاجة إلى تطوير، بما يجعله تعبيرا عن سيادة الدول وليس سيادة الحكومة، لأن الشعب يملك السيادة وهو مصدر السلطات وأساس وجود الدولة.  وهنا يبرز الطابع الديمقراطي لمفهوم السيادة الوطنية الذي لا يسوغ انتهاك حقوق الإنسان ويقضي على التعارض بين سيادة الدول والتدخل الإنساني، أما مفاهيم حقوق الإنسان فتعد مفاهيم نبيلة واحترامها مسؤولية الحكومة، إن لم تلتزم بها فسوف تفقد المشروعية مع الاعتراف بنسبية هذه الحقوق الإنسانية.

ولذلك يجب تشجيع الامم المتحدة على القيام ببرامج تنمية اقتصادية حقيقية ونشر الوعي بالقيم الإنسانية عالميا، كذلك الحد من عمليات بيع الدول الكبرى للأسلحة لهذه الدول الفقيرة والممزقة،  وبالتأكيد على مبدأ سيادة الدول واحترامها لحقوق الإنسان،  يتم القضاء على الانتقائية والازدواجية في التعامل الذي تقوم به الدول الغربية،  ولا سيما أن مبدأ السيادة ومفاهيم حقوق الإنسان تنتمي إلى أساس أخلاقي واحد،  ولذلك تضمها مواثيق حقوق الإنسان معا،  فاحترام السيادة  شرط لاحترام حقوق الإنسان والعكس صحيح.

ومع ظهور الدولة الحديثة وفق مفاهيم جديدة من حيث السلطة والسيادة،  ومن هذه المفاهيم الاتجاه نحو تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. من هنا تمتعت السيادة بخصائص كعدم قابليتها للتجزئة وعدم قابليتها للتنازل عنها، بالإضافة الى عدم تفويضها، فالسيادة جزء لا يتجزأ من شخصية الدولة، وهي حقيقة مجردة عن صاحبها، وهي تتمتع بصفة الديمومة، ولها مظهرها الداخلي والخارجي، وتقسم الدول من حيث السيادة الى دول تامة السيادة  ودول آخرى غير تامة السيادة أو ناقصتها.  وقد حاول الفقه التفريق بين السيادة في المجال الداخلي وبين ممارستها في النطاق الدولي،  فالدولة وهي سيدة أعمالها في إقليمها وتتمتع بالحق في حكم نفسها وحقوقها في مجالات التشريع والإدارة والقضاء في الداخل،  وفي الخارج تنظم علافتها بالدول الاخرى بحرية،  وحقها في اختيار السياسة التي تختارها،  لكن في نفس الوقت هي ملزمة بأحكام القانون الدولي أثناء ممارستها لاختصاصاتها تلك. والتزامها ببعض الواجبات كعدم إساءة استعمال هذه الحقوق، والمساهمة في عملية بناء وحفظ الأمن والسلم الدوليين.

وتكونت لجنة المناقشة من د. باسل منصور مشرفاً ورئيساً، و د. محمد شراقة مشرفاً ثانياً، و د. محمد الشلالدة ممتحناً خارجياً من جامعة القدس، و د. غازي دويكات ممتحناً داخلياً، وفي ختام المناقشة أوصت اللجنة بنجاح الطالب ومنحه درجة الماجستير بعد اجراء التعديلات.


عدد القراءات: 148