قام الباحث وسام عامر شاكر سوداح، الطالب في كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية، يوم الخميس الموافق 21/1/2016 بمناقشة اطروحة الماجستير بعنوان "التنظيم القانوني لأسماء النطاق".

تناولت هذه الدراسة موضوع التنظيم القانوني لاسماء النطاق, فلم تعد هذه الاسماء مجرد نظام تقني يقوم بتحديد المواقع وتميزها عن غيرها, بل أصبحت تقوم بوظيفة حقوق الملكية الفكرية في تحديد المشروعات وتميز منتجاتها و/أو خدماتها على شبكة الإنترنت, حيث أدت الطبيعة المزدوجة لهذه الاسماء إلى حدوث انقسام في موقف سلطات تسجيل اسماء النطاق، وفي آراء الفقه وأحكام القضاء المقارن حول الطبيعة القانونية لهذه الاسماء, وما هو أفضل نظام قانوني يمكن أن تخضع له ويوفر لها أفضل حماية قانونية؟ وهل هي خارج عن إطار الملكية الفكرية؟ أم هي جزء من حقوق الملكية الفكرية القائمة؟ أم أنها حق مستقل ذو طبيعة خاصة؟

ولأن تحديد الطبيعة القانونية لهذه الاسماء, يساهم في تحديد النظام القانوني الأمثل, الذي من خلاله يتم تحديد نطاق الحماية القانونية التي تتمتع بها, وبالتالي تحديد الوسيلة القانونية التي تنطبق على النزاع, فقد عالجت موضوع هذه الرسالة, مبينا أولا, الطبيعة القانونية لاسماء النطاق في نظريتين, أخرجت النظرية الأولى اسم النطاق من إطار الملكية الفكرية, حيث انقسم أصحابها إلى اتجاهين, ذهب أصحاب الاتجاه الأول للقول, بأن اسم النطاق يخرج عن إطار الملكية الفكرية بشكل عام, وقد انقسم أصحاب هذا الاتجاه إلى ثلاث نظريات, اعتبر أصحاب النظرية الأولى, أن اسم النطاق ليس أكثر من موطن افتراضي, حيث تم رفض هذا الرأي؛ لأن الاعتماد على فكرة الموطن الافتراضي سيؤدي في نهاية المطاف إلى رفض أية دعوى تقام ضد صاحب اسم النطاق في حال عدم الحصول على إذن منه لزيارة الموقع, في حين شبه أصحاب النظرية الثانية, اسم النطاق برقم الدخول إلى خدمة (المنيتيل) في فرنسا, حيث تم رفض وجهة النظر هذه لعدم وضوحها, وقد اعتبر أصحاب النظرية الثالثة, أن اسم النطاق هو مجرد نظام تقني, لكن وجهة نظرهم لم تلق قبولا لدى الفقه؛ لأنها لا تعترف بأية قيمة مالية لهذه الاسماء.

أما أصحاب الاتجاه الثاني, فقد اعتبروا هذه الاسماء مجرد فكرة قانونية مستقلة عن أي نظام قانوني قائم, بما في ذلك القوانين التي تنظم الملكية الفكرية, لكنهم انقسموا بين: من يرى أن اسم النطاق حق تعاقدي, ومن يرى أنه حق ملكية, حيث بينت أن الرأي الغالب لسلطات تسجيل اسماء النطاق واَراء الفقه وأحكام القضاء المقارن, قد أخذت بالطبيعة التعاقدية لاسماء النطاق, مستندة في رأيها إلى كون هذه الاسماء, تمنح بموجب عقد خدمة إلكتروني, يبرم بين طالب تسجيل اسم النطاق وسلطة التسجيل المختصة, حيث يمنح هذا العقد, حق استخدام اسم النطاق لفترة زمنية معينة, أما رأي الأقلية, فقد رأى أن الحصول على هذه الاسماء, يمنح أصحابها حق ملكية خاصة, إلا أن وجهة نظرهم تعرضت للانتقاذ؛ لأنه لا يمكن الحجز على هذه الاسماء، أو رهنها، أو فرض ضرائب عليها.

أما النظرية الثانية, فقد عالجت طبيعة اسماء النطاق باعتبارها داخل إطار الملكية الفكرية, حيث بينت موقع هذه الاسماء من عناصر الملكية الفكرية, موضحا مدى إمكانية اعتبار اسم النطاق عنوانا تجاريا، أو اسما تجاريا، أو لافتة إعلانية, وقد تبين, أن الرأي الغالب من الفقه, رأى ضرورة إضافة اسم النطاق كونه عنصرا جديدا ذا طبيعة خاصة به إلى عناصر الملكية الصناعية والتجارية, وأن تكون له أحكامه الخاصة, مع ذلك, وجدت, أنه في الوقت الحاضر ولعدم وجود أي تشريع ينظم هذه الاسماء ويعالج أحكامها, ولأن طبيعتها أقرب إلى طبيعة العلامات التجارية, فإن القوانين التي تنطبق على العلامات التجارية هي الأكثر ملائمة وقدرة لتنطبق على هذه الاسماء, وبالتالي, توفر الحماية لأصحابها في ظل هذا النقص التشريعي, حيث بينت وجهات نظر الفقه بخصوص مدى إمكانية اعتبار اسم النطاق علامة تجارية, ومدى إمكانية حمايتها كونها علامة تجارية غير مسجلة, وعلامة تجارية مسجلة, وتوصلت إلى نتيجتين رئيستين:

النتيجة الأولى, لا يشترط أن تعتبر اسماء النطاق مشهورة, وبالتالي, تتمتع بحماية العلامة التجارية غير المسجلة, إنها تستخدم في جميع أنحاء العالم, حيث أن عالميتها لا يعني, أنها تستخدم في جميع أنحاء العالم, وتقدير شهرتها لا يعني عالميتها, وإنما يجب حتى تتمتع بهذه الحماية, أن تستوفي شرط التمييز وتستخدم كونها معرفا أساسيا لمصدر المنتجات و/أو الخدمات.

أما النتيجة الثانية, يشترط حتى تتمتع بحماية العلامات التجارية المسجلة, أن تخضع للشروط والمتطلبات التي يتطلبها قانون العلامات التجارية في كل دولة على حدة, حيث تبين للباحث أن الشكل الوحيد لاسماء النطاق التي يمكن تسجيلها كونها علامات تجارية, هي المصطلحات المكونة من الحروف والأرقام فقط, كما وتبين له, أنه لا يمكن تسجيل هذه الاسماء في كل الأصناف المبينة في اتفاقية (نيس) بخصوص التصنيف الدولي للعلامات التجارية, حيث أخذ الباحث نموذجين: الأول النموذج الفلسطيني, حيث توصل الباحث إلى أنه يجب _ حتى يحمى اسم النطاق كونها علامة تجارية مسجلة _ أن يسجل في الصنف (38) المتعلق بالاتصالات عن بعد, أما النموذج الثاني هو النموذج اللبناني, اشترط تسجيل علامة تجارية في الصنف (35) المتعلق بالدعاية والإعلان وإدارة الأعمال وتوجيهها، وتفعيل النشاط المكتبي قبل تسجيل اسم النطاق, فضلا عن أنني قد بينت أن ما يصلح للتسجيل كونه علامة تجارية, هو النطاق من المستوى الثاني (STLD) فقط, كما هو الحال في اسم النطاق التالي: (www.wisam.com), حيث ما يسمح بتسجيله كونه علامة تجارية هو (wisam) فقط.

كما عالجت, كيفية حماية هذه الاسماء من الناحية القانونية, مبينا الشروط الشكلية الواجب توافرها عند تسجيل هذه الاسماء, والمتمثلة بالإجراءات العملية لتسجيلها من حيث اختيار اسم النطاق المرغوب تسجيله، وتسجيل هذا الاسم، ودفع الرسوم المستحقة, والبيانات الواجب تقديمها من قبل طالبي تسجيل هذه الاسماء عند إبرام عقد الخدمة, وتوصلت لنتيجة هامة, أنه يجب أن تكون هذه البيانات صحيحة ودقيقة, ويجب إتاحتها للجمهور في قواعد بيانات (WHOIS).

ثم بعد ذلك, عالجت بشيء من التفصيل قاعدة "القادمون أولا, مخدومين أولا", من حيث مضمونها وضرورة تعهد طالب تسجيل اسم النطاق بعدم انتهاك حقوق غيرهم المشروعة, ومدى إمكانية إعفاء سلطات تسجيل اسماء النطاق نفسها من المسؤولية عن التحري فيما إذا كان اسم النطاق المطلوب تسجيله ينتهك حقوق الآخرين أم لا, وقد بينت موقف الفقه والقضاء المقارن من هذه المسألة, ودور حسن النية في الحكم لصالح صاحب اسم النطاق, والاستثناءت التي ترد عليها, والتي تتمثل بسوء النية والأسبقية في التسجيل, ثم انتقلت لبيان النتائج السلبية المترتبة على هذه القاعدة، وما سببته من منازعات تتمثل "بالقرصة الإلكترونية", حيث تم بيان مفهوم القرصنة الالكترونية، وموقف الفقه، والقضاء المقارن منها, وما يندرج تحتها من أشكال مختلفة, حيث تناولت بشكل موجز بعض هذه الأشكال, مثل: القرصنة الإلكترونية الحرفية, برامج المشاركة, والرمز التعريفي لصفحات مواقع الإنترنت (Mita-Tag), وخلصت لنتيجتين رئيستين, الأولى: يعتبر البريد الالكتروني أهم البيانات الواجب تقديمها عند إبرام عقد الخدمة؛ لأنه وسيلة الاتصال الوحيدة بين أطراف هذا العقد, ويترتب على عدم امتلاك بريد إلكتروني فعال وصحيح؛ إمكانية إنهاء هذا العقد, أما النتيجة الثانية: لسلطات تسجيل اسماء النطاق إعفاء نفسها من المسؤولية عن التحري فيما إذا كان اسم النطاق المطلوب تسجيله ينتهك حقوق الآخرين المشروعة، أم لا, إلا في حالتين: الغش، والخطأ الجسيم.

ثم انتقلت لدراسة السياسة الموحدة لتسوية منازعات اسماء النطاق, حيث بينت نطاق تطبيقها, الذي جاء مقتصرا على العلامات التجارية، وعلامات الخدمة فقط, والأساس الذي اعتمد عليه في تحديد هذا النطاق, والانتقادات الموجهة لها, والشروط الواجب توافرها حتى ينجح المشتكي في شكواه المقدمة بموجبها, حيث تبين ضرورة توافر ثلاثة شروط على التوالي, وهي: شرط التطابق، أو التشابه المضلل بين اسم النطاق والعلامة, وشرط توافر الحقوق أو المصالح المشروعة فيما يتعلق باسم النطاق, وشرط تسجيل اسم النطاق واستخدامه بسوء نية, وقد قمت بتوضيح مفصل لكل شرط من هذه الشروط, ثم بعد ذلك, عالجت بعض الإشكاليات العملية التي تواجهها اللجان الإدارية لتسوية منازعات اسماء النطاق، منذ لحظة نظر النزاع حتى تاريخ صدور الحكم, وكل ذلك تم بشكل مقارن مع القواعد المنظمة لاسماء النطاق الفلسطينية التي تطبقها هيئة (بنينا) لمسميات الإنترنت, والقواعد المنظمة لاسماء النطاق البلجيكية التي تديرها منظمة (DNs Belgium), وقواعد مركز (Cepani) البلجيكي, وخلصت لعدد من النتائج, أهمها: لا تكتسب الأحكام الصادرة عن اللجان الإدارية حجية الشيء المقضي به, بل تعتبر من طبيعة القرارات شبه القضائية التي يجوز الطعن فيها أمام القضاء, كما وأن التعويض المتاح بموجب هذه القواعد, يقتصر فقط على التعويض العيني المتمثل إما: بإلغاء اسم النطاق، أو تحويله للمشتكي, أو إبقاء الحال على ما هو عليه.

   وفي نهاية هذه الدراسة, بين الباحث من خلال الخاتمة مجموعة من النتائج والتوصيات التي توصل إليها, وأبرزها: أنه لم يعالج المشرع الفلسطيني اسماء النطاق ضمن تشريعات خاصة تعالج الأحكام القانونية الخاصه بها, ولا حتى مشروع قانون حماية الملكية الصناعية لسنة 2012, الذي جاء خاليا من أي معالجة لأحكام هذه الاسماء, فضلا عن أنه لم تعترف هيئة (بينيا) الفلسطينية لمسميات الإنترنت باسماء النطاق كونها حق ملكية من نوع خاص، ولا حقا مستقلا من حقوق الملكية الصناعية والتجارية.

وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور أمجد حسان مشرفاً ورئيساً، و الدكتور محمود دودين ممتحناً خارجياً من جامعة بيرزيت، و الدكتور أكرم داود ممتحناً داخلياً، وفي ختام المناقشة أوصت اللجنة بنجاح الطالب ومنحه درجة الماجستير بعد اجراء التعديلات.


عدد القراءات: 154